طلبتنا الأعزاء في المرحلة الثانوية نقدم لكم شرح قصيدة ابو البقاء الرندي يرثي الاندلس، هذه القصيدة في كتاب اللغة العربية والتي كانت في الدرس الثاني عشر بعنوان رثاء الاندلس للشاعر ابو البقاء الرندي رحمه الله وهو صالح بن شريف بن صالح الشهير بأبي البقاء وكذلك يطلق عليه أبو الطيب، وهو من أشهر الأدباء في الأندلس في ذلك العصر وقد قام بكتابة هذه القصيدة رثاء الاندلس بعدما سقطت في أيدي الأعداء وفقدها المسلمون حيث تناول فيها الشاعر ما لحق بها من مآسي وأحزان نالت من هذا البلد الجميل والذي كان مرتعاً للحضارة الاسلامية التي بلغت في الأندلس مكانة عظيمة وقد كان هذا الرثاء في ذلك العصر من بين الامور الجديدة التي قدمها الكاتب للأدب الاندلسي كونها اول قصيده ابو البقاء الرندي يرثي الاندلس فرثاء المدن أو الدول لم يكن من الأمور المتداولة في الادب الاندلسي.
قصيدة أبو البقاء الرندي في رثاء الاندلس
لكي نقوم بشرح قصيدة ابو البقاء الرندي يرثي الاندلس سنقوم بتناول أبيات قصيدة رثاء الاندلس وتقديم شرح لهذه الابيات أسفلها وقد قسمنا الأبيات لمجموعات حسب ترابطها وتكاملها في المعنى لكي نقوم بشرح قصيدة ابو البقاء الرندي يرثي الاندلس بشكل مفصل وسليم على النحو التالي :
لكل شيء اذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش انسان
هي الامور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته ازمان
وهذه الدار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شان
جاء الشاعر ابو البقاء الرندي على ذكر حقيقة كونية وهي ان كل شيء يتم اكتماله لا بد ان يعقب هذا الاكتمال نقصان لكون نموه قد توقف والامر يقع بالتأكيد على النقصان لهذا الكمال، فهذه سنة كونية وفي ضوء هذه الحقيقة لا يجب أن يغتر الانسان مهما بلغ من الكمال بنفسه لأن مصيره النقصان والزوال فهذه الأمور كما تشاهدون على مر الأزمان والدول تتغير وتتبدل من حال لحال فمن وجد السرور في أمور سيجد السوء في أمور أخرى، فهذه الدنيا لا تبقى على حال واحد على طول فهي ما بين غدو وأصال فكما يقال يوم لك ويوم عليك هذا شرح قصيدة ابو البقاء الرندي يرثي الاندلس بأبياتها الثلاثة الاولى.
————————————————————————
دهى الجزيرة أمر لاعزاء له هوى له أحد وانهد ثهلان
فاسأل بلنسية, ما شأن مرسية وأين شاطبة , أم أين جيان
وأين قرطبة دار العلوم فكم من عالم قد سما فيها له شان
قواعد كن أركان البلاد فما عسى البقاء اذا لم تبق اركان
بعدما تناول الكاتب الحقيقة التي ذكرناها في السابق انتقل لذكر المصائب التي نالت من الاندلس وما حل به من سقوط على أثر هذا المصاب الجلل والذي كان كأنه سقوط لجبل احد وجبل ثهلان في نجد
كما ودعا الكاتب لسؤال بلنسية عن حال مرسية وعن شاطبة وكذلك قرطبة والتي كانت شاهدة على سمو وعلو الكثير من الناس والتي كانت منارات للعلم ومعاقل للإسلام فسقطت وهوت في يد النصارى فما نفع البقاء إن زالت الاركان.
—————————————————————————————————
قصيدة لكل شيء إذا ماتم نقصان مكتوبة
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف كما بكى لفراق الإلف هيمان
على ديار من الاسلام خالية قد اقفرت ولها بالكفر عمران
حيث المساجد قد صارت كنائس ما فيهن إلا نواقيس وصلبان
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر ترثي وهي عيدان
ثم انتقل إلى تصوير حال الإسلام بعد سقوط المعاقل الإسلامية حيث أصبح حزينا فهاهي الحنيفية تبكي من شدة حزنهاكما يبكي المحب لفراق إلفه وحبيبه نعم تبكي على هذه المعاقل التي خلت من الإسلام وأقفرت، فصارت الأندلس كلها نصرانية، عامرة بالكفر وجعلت النواقيس في الصوامع بعد الأذان، وفي مساجدها الصور والصلبان، بعد ذكر الله وتلاوة القرآن… فيا لها من فجيعة ما أمرها، ومصيبة ما أعظمها، وطامة ما أكبرها” فحتى الجمادات تأثرت لما حدث فأخذت المحاريب والمآذن تبكي وترثي نفسها .
——————————————————————————————————————
يامن لذلة قوم بعد عزهم أحال حالهم كفر وطغيان
فلو تراهم حيارى لادليل لهم عليهم من ثياب الذل ألوان
ولو رأيت بكاهم عند بيعهم لهالك الامر واستهوتك أحزان
يارب أم و طفل حيل بينهما كما تفرق أرواح وأبدان
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
نستمر في تقديم شرح قصيدة ابو البقاء الرندي يرثي الاندلس وننتقل للأبيات أعلاه والتي أخذ فيها الشاعر بالتحدث عن حال المسلمين وتذكيرنا به، وكيف تحولت عزتهم وقوتهم عندما شاعت بينهم الفواحش والمنكرات والتي عجلت في زوال هذا العز والمكانة، وتحولها لذل مهانة وإنكسار على يد أعداء الله النصارى والذي كان جلياً في بيع سادة المسلمين في اسواق العبيد وسط بكاءهم كما ان النصارى فرقوا بين الام وابنها وفرقوا بينهما في عمليات البيع في سوق الرقيق كما تفرق الارواح والابدان فكل من رأى هذا المنظر المهين والمذل للمسلمين والشدة التي مروا بها فعلى هذا الحال يذوب القلب من الحزن والكمد بالتأكيد هذا الشعور مقرون بمن في قلبه اسلام وايمان ونصرة لدينه وعرضه.
تحليل النص تحليلا أدبيا :
أولا : المعاني والأسلوب :
تتحدث الابيات عن حال الاندلس حيث قام الشاعر برثائها في هذه الابيات وتحدث عما حل بها من اهانة وذل لأهلها المسلمين جراء تقاعسهم عن الالتزام الديني والالتفات للفواحش في هذه الدنيا الخداعة الفانية وصاغ هذا الامر الشاعر بأبيات شعربة جميلة وأسلوب قوي وجزيل وواضح ليس به شيء من التعقيد وفيه دعوة لتدبر هذا الحال واخذ العبر والدروس منه.
ثانيا : الألفاظ والعبارات :
اختار الشاعر من بين الالفاظ الواردة في الشعر الاندلسي الواضحة والسلهة في التعبير عن الاسى والحزن لما حل بالأندلس من هذه الالفاظ التي تضمنتها القصيدة ” بكاهم عن بيعهم” “لمثل هذا يذوب القلب ” وقد تميزت بالقوة والرصانة وكذلك الفصاحة ومناسبة مع الموضوع وملتزمة بالوزن والقاففية.
ثالثا : العاطفة :
العاطفة الغالبة على الكاتب هي العاطفة الاسلامية التي تجسدت في تصوير ونقل احساس الشاعر بما حدث في المسلمين ومعقلهم الاندلس ولهذا فإننا نجد انفسنا متأثرين بهذه الأبيات وبما جاء فيها لتشابه الاحداث من حولنا لما شهدته الاندلس.
رابعا : الصور الخيالية :
” يارب ام وطفل حيل بنهما كما تفرق ارواح وابدان ” كانت هذه اولى الصور الخيالية التي استخدما الشاعر في القصيدة التي يرثي فيها الاندلس كما واستخدم الاستعارة المكنية في قوله ” تبكي الحنيفة البيضاء من اسف كما بكي لفراق الإلف هيمان ” حيث شبه الحنيفية وهي واحدة من مذاهب اهل السنة في بكائها بالانشان حيث حذف المشبه واتى بما يحل محله وهو البكاء وهو نفس الامر في البيت ” حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر ترثي وهي عيدان ”
كما استعان الكاتب بالتشبيه في قوله ” عليهم من ثياب الذل الوان ”
واستخدم اسلوب الاستفهام في قوله ” ما شأن مرسية ؟ ” واين قرطبة، هذا بخلاف الطباق والمقابلة في قوله ” من سره زمن ساءته أزمان ”
كان هذا كل ما يمكننا تقديمه لكم من شرح قصيدة ابو البقاء الرندي يرثي الاندلس.