حكم تكليف النفس بما لا تطيق من العبادة، إننا مسلمون قد أمرنا نبينا الحبيب بكثرة الذكر والتسبيح، لما له من فوائد عظيمة لكل مسلم موحد بالله، ومن هذه الأذكار دائماً ما نردد عبارة ” لا حول ولا قوة إلا بالله”، وفيها اعظم وأسمى المعاني، التي تخرج الإنسان من حوله وقوته، إلى حول الله وقوته، فما أعظم معانيها، فلا حيلة للإنسان، ولا تغير فيه، ولا حركة للإنسان في أمر من أمور الدنيا، إلا بحول الله وأمره وقدرته العظيمة، فلا ينفك عاصي عن معصيته إلا بإذن الله، ولا يثبت مؤمن على طاعة إلا بحول الله وقدرته وإرادته، فكل شيء في هذا الكون يجري بمقادير الله سبحانه وتعالى، ومشيئته التي غلبت كل مشيئة، وهو عادل حق في قضائه وأمره، ولا يظلم ربك أحداً، ويقول سبحانه وتعالى في هذا الأمر:” لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ”، سنتحدث هنا عن حكم تكليف النفس بما لا تطيق من العبادة، ونبين ذلك بالدليل والبرهان من كتاب الله سبحانه وتعالى.
ما هو الحكم؟
ما هو الحكم؟ الحكم هو ما أنزله الله سبحانه وتعالى في كتابه المنزل في آياته المحكمة، فهو ما أمر الشرع وحدد فعله أو تركه، أو أن يكون الإنسان مخير ما بين الفعل والترك للأمر، والحكم الشرعي ينقسم إلى قسمين حكم تكليفي، وحكم وضعي:
- الحكم التكليفي: هو ما ورد فيه خطاب مباشر بالتكليف بأمر ما من الله سبحانه وتعالى، ويكلف به العاقل البالغ، وفيه الثواب وفي تركه حساب وعقاب، كما في قوله سبحانه وتعالى: ” كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، وهنا تكليف من الله بالصيام، وقوله: “وأقيموا الصلاة”.
- اما الحكم الوضعي: فهو حكم مشروط بشرط، ولا يوجب البلوغ أو العقل بل هو مشروط بأمر ما، كقوله تعالى: “وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا”، فهنا حكم قطع اليد مشروط بوقوع السرقة.
ما هي العبادة؟
ما هي العبادة؟ العبادة هي حق وواجب لله سبحانه وتعالى على عباده، يقول مُعَاذٍ رضي الله عنه: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذ؛ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟». قلتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ! قالَ: «فإنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ: أَنْ لا يُعَذبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». فقلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَفلا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: «لا تُبَشِّرْهُمْ فيَتَّكِلوا» (رواه البخاري ومسلم)؛ سبحان الله وبحمده ان جعلنا مسلمين موحدين، لنا الثواب في أبسط الأمور، فإن اعترفنا بوجود الله نلنا الثواب والغفران، فالعبادة الحق هي الخضوع التام لله سبحانه وتعالى، والاعتراف بوحدانيته، بالإضافة إلى حقوق الله علينا من صيام وصلاة وزكاة وحج، فالعبادة هي كل قول وفعل صالح في ظاهره الذي يراه كافة الناس، وصالح في جوهره الذي لا يعلمه إلا الله، الذي لا تخفى عليه خافية الأنفس.
حكم تكليف النفس بما لا تطيق من العبادة
حكم تكليف النفس بما لا تطيق من العبادة، يقول عز وجل في آيات كتابه المحكمات:” وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا مَا يُطِيقُونَ، وَلَا يُطِيقُونَ إِلَّا مَا كَلَّفَهُمْ”، وهنا كلام الله سبحانه ونصه في الآية الكريمة واضح وضوح الشمس بأن الله سبحانه وتعالى لم يكلف البشر أمراً لا يطيقون فعله ولا يقدرون على أدائه، والله سبحانه وتعالى يعلم حقيقة النفس البشرية وحولها وقوتها، فهو سبحانه وتعالى يؤكد في هذه الآية الكريمة، على ضعف الإنسان، وعدم طاقته على فعل أمر إلا ما كلفه الله به سبحانه وتعالى، فالله عز وجل لا يكلف نفساً بشرية بأمرٍ، إلا وهو يعلم أن هذه النفس قادرة بحوله وقوته على فعل هذا الأمر، فهو يضع ويبث فيها من حوله وقوته ما تستطيع به القيام بالأمر الذي كلفها الله بها، فعند ابتلاء الله لبشر بموت أحد أبنائه، يعلم الله سبحانه وتعالى أن هذه النفس من البشر ستصبر بحول الله ومشيئته، على ما ابتليت، أي أن الله سبحانه وتعالى، لا يكلف نفساً إلا وسعها، كما قال تعالى: ” لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا”، ومن هنا نستنتج أن حكم تكليف النفس بما لا تطيق من العبادة، هو أمر غير جائز شرعاً لأن رب العباد لم يكلف البشر إلا ما لهم به حول وقوة، وما يستطيعون فعله بمشيئة الله سبحانه وتعالى.
الدليل من القرآن على حكم تكليف النفس بما لا تطيق من العبادة
الدليل من القرآن على حكم تكليف النفس بما لا تطيق من العبادة، وهو منفي في الكتاب والسنة، فلا يجوز تكليف النفس البشرية فوق طاقتها، وهنا نضع الدليل من القرآن على حكم تكليف النفس بما لا تطيق من العبادة:
- يقول الله عز وجل: “لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا” سورة البقرةالآية : 286
- يقول تعالى: “لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا” في سورة الأنعام، الآية 152.
- يقول الله عز وجل: “رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ”، وهذا هو دعاء المؤمنين في كل صلاة وفي كل وقت.
تكليف النفس بما لا تطيق من العبادة
تكليف النفس بما لا تطيق من العبادة، هو أمر لا نقاش فيه ولا جدال لأن أمر الله سبحانه وتعالى نافذ وقاطع، فهو القائل “لا يكلف الله نفساً إلا وسعها” فقد وعدنا الله في هذه الآية بصريح كلامه انه لا يكلف نفساً بشرية إلا ما تطيق وتستطيع دفعه وفعله وعمله، بحول الله وقوته سبحانه وتعالى ومشيئته التي غلبت كل مشيئة، وهنا بعد يقين المؤمن بوعد الله له، يدعو المؤمن الله عز وجل في الآية الكريمة:” رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ” فهم يدعون ويتضرعون لله وهم على يقين بالإجابة لدعائهم، لأن الله وعدهم بتكليفهم بما يطيقون، فالصلاة يطيقونها، والصيام يطيقونه، والحج مرة في العمر يطيقونه، وكل هذه الأمور والتكليف لمصلحة البشر ونيل ثواب الدنيا والآخرة.
وآخر دعوانا “رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”.