ألا ليتَ مجد الأندلس يعُود ولو بعد حين، ويكون لنا الشرف بتقبيل قصور تلك الحمراء التي قرأناها في كل الميادين، هنا شرح قصيدة في مدخل الحمراء حاضرة، وبالتناغُمات ما بين الصور الجماليّة والتوضيحات المجازيّة كان الشرح والتفصيل واضح الأرجاء ومُعمّق الأركان ولا يعدُوه أي انتقَاص، فنحن قد جئنا لكم مع شرح قصيدة في مدخل الحمراء التي اقتبسناها من أمهَر الأدباء والأساتِذة الذين كانُوا في لحظةٍ ما عالمين بكُل تفصيلات وشرح هذِه القصيرة التي ألّفها ونظمها الشاعر السّوري نزار قباني في مدح فتاة كانت في الأندلس، وكان الغرض من هذه القصيدة هو إبراز اهمية الأندلس وجمالها، وفيما يلي شرح قصيدة في مدخل الحمراء بالتفصيل.
قصيدة في مدخل الحمراء
نؤكد ان ما يلي هِي قصيدة “في مدخل الحمراء” والتي نظمها الشاعر نزار قباني، ونتمنى متابعة وقراءة مُمتعة لكم.
في مدخل الحمراء كان لقاؤنا
ما أطـيب اللقـيا بلا ميعاد
عينان سوداوان في جحريهما
تتوالـد الأبعاد مـن أبعـاد
هل أنت إسبانـية؟ ساءلـتها
قالت: وفي غـرناطة ميلادي
غرناطة؟ وصحت قرون سبعة
في تينـك العينين.. بعد رقاد
وأمـية راياتـها مرفوعـة
وجيـادها موصـولة بجيـاد
ما أغرب التاريخ كيف أعادني
لحفيـدة سـمراء من أحفادي
وجه دمشـقي رأيت خـلاله
أجفان بلقيس وجيـد سعـاد
ورأيت منـزلنا القديم وحجرة
كانـت بها أمي تمد وسـادي
واليـاسمينة رصعـت بنجومها
والبركـة الذهبيـة الإنشـاد
ودمشق، أين تكون؟ قلت ترينها
في شعـرك المنساب ..نهر سواد
في وجهك العربي، في الثغر الذي
ما زال مختـزناً شمـوس بلادي
في طيب “جنات العريف” ومائها
في الفل، في الريحـان، في الكباد
سارت معي.. والشعر يلهث خلفها
كسنابـل تركـت بغيـر حصاد
يتألـق القـرط الطـويل بجيدها
مثـل الشموع بليلـة الميـلاد..
ومـشيت مثل الطفل خلف دليلتي
وورائي التاريـخ كـوم رمـاد
الزخـرفات.. أكاد أسمع نبـضها
والزركشات على السقوف تنادي
قالت: هنا “الحمراء” زهو جدودنا
فاقـرأ على جـدرانها أمجـادي
أمجادها؟ ومسحت جرحاً نـازفاً
ومسحت جرحاً ثانيـاً بفـؤادي
يا ليت وارثتي الجمـيلة أدركـت
أن الـذين عـنتـهم أجـدادي
عانـقت فيهـا عنـدما ودعتها
رجلاً يسمـى “طـارق بن زياد”
شرح قصيدة في مدخل الحمراء كاملة
أمّا عن شرح هذه القصيدة فنحُطّ الرحال ها هنا بتفصِيل كامل قدّمناه لكم من نُخبةٍ الأساتذة في تفسير الشعر.
- يتعجب الشاعر من التاريخ والأحداث العجيبة كيف أعاده التاريخ لحفيدة سمراء من أحفاده ( يركز على العيون السوداء والبشرة السمراء تأكيدا على أصلها العربي إذ لو كان أجدادها من الأسبان لكانت شقراء).
- نظر الشاعر إلى الزخارف التي كانت حية بجمالها ورونقها كاد يسمع نبضها ( شبه الزخارف بإنسان تسري فيه الحياة), أما الزركشات فكانت على السقوف تنادي من تركوها أو رحلوا عنها .
- حين عرفت الفتاة الشاعر على المكان قالت هنا الحمراء وربطت المكان بالأجداد ونسبت الأجداد لنفسها وطلبت منه أن يقرأ التاريخ لأجداها على تلك الجدران المزركشة.
- يمكن أن تجد دمشق في بساتين جنات العريف، وهذا يدل على أن العرب تركوا بصماتهم على بساتين الأندلس ورياضها وريحانها وأشجارها الجميلة.
- يقول الشاعر: لقد كان اللقاء في مدخل الحمراء الغاية في الجمال والإبداع, ثم يتعجب من جمال وطيب اللقاء دون موعد مسبق.
- بدأ الشاعر بالحديث عن عيني الفتاة السوداويين وتذكر البيئة العربية من خلالهما وجعل يرجع بالتاريخ نحو الأبعد فالأبعد (يصف الشاعر عيني الفتاة بالسواد لان العيون الحوراء هي المستحسنة في البيئة العربية) .
- بادر الشاعر الفتاة بالسؤال هل انت اسبانية؟ فأجابته من خلال ذكر المكان (في غرناطة ميلادي) على اعتبار غرناطة اسبانية ولكن الشاعر لا يعني المكان بقدر ما يعني الأصل والنسل.
- تذكر الشاعر من خلال سماعه غرناطة أمجاد العرب قبل سبعة قرون وتصحو الذكرى في خياله من خلال تلك العينين بعد طول رقاد ونوم.
- تذكر الشاعر بني أمية الذين فتحوا الأندلس وكانت دمشق عاصمة لهم (موطن الشاعر) وقد تمكنوا من رفع راياتهم فوق البلاد التي فتحوها وكانت جيوشهم جرارة متصلة بعضها ببعض ( فيالها من ذكريات تثير الحزن على ما مضى وانقضى وكان فيه العرب السادة والقادة والحكام وكانوا خير من حكم وقاد).
- جعل الشاعر من هذه الفتاة دليلا تسير معه وشبه شعرها بالسنابل التي تركت بغير حصاد ندما تتحرك وهذا دليل على أن شعرها كان طويلا.
- شبه لمعان القرط الذي يتدلى على طول عنق الفتاة بالشموع المضيئة ليلة عيد الميلاد (هذا دليل على ان عنق الفتاة كان طويلا).
- شبه الشاعر نفسه بالطفل التائه الذي يمشي خلف تلك الفتاة التي ستدله على أماكن الجمال في بلاده بلاد الآباء والأجداد. وأخذ يتذكر التاريخ الذي تركه كومة رماد أي احترقت صفحات تاريخ العرب المجيدة المشرقة , فبعد أن كان العرب يرشدون العالم ويفتحون البلاد وها هم اليوم بحاجة إلى دليل في ديار كانت لهم.
- يتعجب الشاعر من قولها أمجادي، ويقول أمجادها ويحاول أن يتناسى جرحا نازفاً ( ضياع الأندلس) وجرحا آخر وهو إنكار أهل الأندلس فضل العرب عليم.
- يتمنى الشاعر لو أدركت تلك الفتاة بان الذين عنتهم بقولها أجدادي هم أجداده وأنها ورثت عن العرب تلك الحضارة ( أي أن حضارتها أجداده بنوها ومجدها أجداده أرسوه وبلادها أجداده فتحوها بل هي من نسل أجداده فكيف تنكر أصلها).
- حين ودع الشاعر الفتاة شعر بأنه يعانق طارق بن زياد فاتح الأندلس ورمز الحضارة الإسلامية فيها أي يعانق مجداً تليداً ويا ليتها علمت أنها متحدة مع الشاعر في الأصل.
- يؤكد الشاعر أن أصل الفتاة عربي فهو يرى وجها دمشقيا بدت من خلاله جفون بلقيس وجيد سعاد هذه الفتاة تحمل ملامح المرأة العربية) حيث أن الشاعر في هذا البيت استلهم التاريخ.(8-9) تذكر الشاعر منزله القديم حيث حجرته ومكان نومه واستقراره , ويذكر أماكن شرقية في غرناطة يتغنى بها وبجمالها الأخاذ.(10-11) سألت الفتاة الشاعر عن دمشق أين تكون؟ أجاب الشاعر بأنها موجودة فيك ايتها الفتاة فأنت تحملين ملامح المرأة العربية في شعرك الأسود المنساب كالنهر الجميل طولا ونعومة ورقة , وفي ثغرك الجميل وأن ثغر هذه الفتاة ذكره بشمس بلاده ( جمع الشاعر حيث أراد جميع فتيات بلاده).
ننتهي من سردِ قصيدة “في مدخل الحمراء” وكذلك من شرح هذه القصيدة التي تعد واحدة من القصائد المميزة.