إن الله تعالى تسامت عظائمه وتعالت آياته، تحدى الإنس والجن وكل من هو معاند لله أن يخلق ذبابة، فما استطاعوا ذلك، ونزه نفسه وعمها فقال (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) فله الكثير من المخلوقات التي خلقها وجعلها تدب على الأرض فخلق الملائكة والجن والإنس وخلق الطيور والبهائم ومنها ما يعيش على اليابس أو يعيش في الغابات أو في البحار، وهو أعلم بشأنها يرتب حياتها وأطوار عمرها ويرزقها دون شعور الإنسان بذلك، وهذا من الدلالة على عظم الله تعالى فإنه أبدع إذ نوع في خلق هذه الخلائق، بل إن الأقوام عندما كانت تكذب الرسل كما فعل قوم نوح، أمره الله أن يأخذ من كل زوجين اثنين من الكائنات على سفينته فكانت هذه الكائنات القليلة عنصر بقاء الحياة، وهذا من قدرة الله تعالى الدالة على إحياء الحياة من الموات، ومن بين هذه الكائنات قصة خلق الخفاش وهي من الأمور الفريدة.
الخفاش
يعد الخفاش من الكائنات المخلوقة الغريبة إذ يطير كالطيور لكنه ليس من سلالتها، بل إنه يجمع من صفات الطيور كما أنه يجمع من صفات الثديات أو الحيوانات، فإنه يطير في الهواء، كما أنه يحيض ويلد، وله أذنان كبيرتان، وله جلد، وخصيتين وهذا من العجب الذي قد تراه مما يدل دلالة صريحة على قدرة الله تعالى، وأنه يمكنه أن يفعل أي شيء، ولا يعجزه شيء في الأرض أو السماء.
قصة خلق الخفاش
لا يعرف عن الخفاش أن له قصة معينة في طريقة خلقه، لكن الذي نقل عن البعض وإن كان ليس يقينيا بل فيه ضعف أن الخفاش لغرابته وطبيعة خلقته الاستثنائية، فإن البعض نقل أن قوم عيسى عليه السلام لما أخبرهم نبيهم أن الله قدره على أن يخلق من الطين طيرا، أخبروه أنهم يريدون منه أن يخلق لهم خفاشا وذلك لأنه من أشد الكائنات صعوبة في الطبيعة التكوينية، ففعل نبيهم ذلك، إلا أن هذا الأثر يظن أنه اسرائيليات أو لا يوجد ما يجعله يقينا، وقد قال الله تعالى (ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله) والصواب أن الآية عامة في الطيور وليس في الخفاش.
آثار خلق الخفاش
رد قول ضعيف وإن كان الأصل عموم خلقة الطيور، انه لما أراد أن يخلق عيسى عليه السلام الطير من الطين سألهم : أي الطير أشد خلقا ؟ فقيل له: الخفاش ، كما ورد حدثنا القاسم قال :حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قوله : ” أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير ” قال : أي الطير أشد خلقا ؟ قالوا : الخفاش ، إنما هو لحم . قال ففعل”.
قال وهب: “كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل الخلق من فعل الله تعالى . وقيل : لم يخلق غير الخفاش لأنه أكمل الطير خلقا ليكون أبلغ في القدرة لأن لها ثديا وأسنانا وأذنا ، وهي تحيض وتطهر وتلد . ويقال : إنما طلبوا خلق خفاش لأنه أعجب من سائر الخلق”.
وتظل قدرة الله في كل شيء بارزة واضحة دالة للإنسان على طريقه، مبينة أن نجاته بالتعرف عليه واتباع منهاجه القويم الذي خلق الإنسان للسير عليه، وإلا فإن الحيدة والزيغ عنه تؤدي بالإنسان إلى الضلال والانحراف.